[المقالة لربيع علم الدين ترجمها عن الإنجليزية إسامة إسبر]
بعد الانتخابات الرئاسية مباشرة امتلأ حسابي على التويتر بالتعبيرات عن الصدمة والشكاوى. بدا كما لو أن العبارة المفضلة للجميع هي:"نحن أفضل من هذا”. لكنني اعتبرت هـذا الكلام خاطئاً، وفهمتُ منطقه الملتوي، والصدمة والأذى اللذين سيقودان أحداً ما كي يقول هذا، لكن هذا لم يكن صحيحاً.
لسنا أفضل من هذا. نحن هذا.
لقد انتُخبَ الرجل رئيساً. وبحكم طبيعة الحال إن أميركا هي هذا، نحن هذا.
لا أقول كلامي هذا كي أوحي أننا يجب أن نُلام، أو أن أحداً ما لم يصوّت لدونالد ترامب هو مذنب كشخص صوّت. ما أحاول مواصلة الإشارة إليه، للأصدقاء، ولأي شخص يحب أن يصغي، هو أن قلة منا ترغب بالاعتراف بالمسؤولية، ليس بالضرورة قبول المسؤولية، بل الوقوف والقول:"أعترف أن هذا الظلام من صنعي".
أتذكر حين خرجتْ إلى العلن صور التعذيب في سجن أبي غريب إلى الضوء. كانت الاستجابة مشابهة: هذا ليس نحن. إن الجنود المتورطين فاسدون ومنحطون. بدأت المسألة في القمة، مع جورج بوش وانتقلت إلى الأسفل. لن نفعل أبداً شيئاً كهذا. لكننا فعلنا هذا بالطبع، وواصلنا فعل هذه الأمور مرة بعد أخرى، وقمنا بما هو أسوأ منها. اعترض البعض، لكن معظمنا واصلوا حياتهم واختاروا النسيان. وهنا أحبّ أن أستشهد بالشاعر البولوني ستانسلاف جيرزي الذي قال:"ما من ندفة ثلجٍ في حادور سبق أن شعرتْ بالمسؤولية".
يحظر ترامب المسلمين ونزعم أن هذا غير أميركي، أننا لسنا هذا. لستُ مضطراً للتحدث عن التاريخ ا"لقديم" كي أظهر أننا هذا. لن أذكر الاستعمار الاستيطاني والإبادة وسرقة الأرض، والعبودية، أو معسكرات الاعتقال للأميركيين من أصل ياباني. لن أشير إلى قانون بيج Page Act الذي يحظر من عُدوا من "غير المرغوب بهم"، وقانون استبعاد الصينيين، وقانون حظر السفر من المنطقة الآسيوية (قانون معرفة القراءة والكتابة)، وقانون الطوارئ الخاص بالمهاجرين. ولست مضطراً لذكر مئات آلاف المكسيكيين الذين تم ترحيلهم في الثلاثينيات، أو آلاف اليهود الهاربين من العنف النازي الذين تم إبعادهم.
كان فرانك دي روزفلت وليس ترامب هو من زعَم أن المهاجرين اليهود يمكن أن يهددوا الأمن القومي الأميركي. لن أذكر أياً من هذا، لأن هذا حدث منذ وقت طويل. ونستطيع دوماً أن نخدع أنفسنا بالقول إن أميركا كانت هذا لكننا الآن أفضل. دعوني أذكر أنه في 2010 و2011 مرّرت المجالس التشريعية للولايات 164 قانوناً مضاداً للهجرة.
تضايق كثيرون حين قام ترامب بحملته داعياً إلى تسجيل أسماء المسلمين الداخلين، لكنني فوجئت حين اكتشفت أن قليلين يعرفون أنه كان لدينا قانون مشابه من قبل: نظام الأمن القومي لتسجيل الدخول والخروج الذي طُبق في 11 أيلول\\سبتمبر 2002. تقول الأتلانتيك:"يتألف من برنامجيْ تسجيل خاصين: واحد يقضي بأن على مواطنين من بلدان معينة أن يخضعوا لتدقيق حكومي قبل دخول ومغادرة البلاد، وآخر يلزم بعض الأجانب الذين يعيشون في الولايات المتحدة بأن يظهروا بشكل منتظم أمام موظفي الهجرة". لم يعلّق أوباما البرنامج حتى 2011. ألغاه قبل أن يغادر منصبه مباشرة.
أعتقد أنني لا أملك أوهاماً حول إنسانيتنا، لكنني كنت أملكها حين كنت أصغر في السن. فقد هاجرتُ إلى الولايات المتحدة في السابعة عشرة من عمري، من لبنان عن طريق إنكلترة. جئت كي أدرس وهرباً من الحرب الأهلية اللبنانية. ففي الخامسة عشرة من عمري، مرت رصاصة طائشة على مسافة قريبة جداً مني بينما كنت على سقف بنايتنا أراقب مناوشات في مكان قريب. رغبت بالخروج. واعتقدت أنني أترك العنف خلفي، مبتعداً عن اللغة الكريهة التي تتشدق بها الجماعات المتخاصمة، اليسارية واليمينية، الإسلامية والمسيحية. ولقد آمنت أنني اخترت أن أهاجر إلى بلاد تحرص حكومتها على سكانها، أو على الأقل تستجيب لهم. لكنني تحررت من أكاذيب كهذه باكراً. فحين بدأ الإيدز يُهلك جيلاً، راقبت أصدقائي وأحبائي يموتون بينما سكرتير إعلام رونالد ريغان نكّت حين ذكر أحدهم الوباء. وريغان نفسه رفض أن يذكره حتى 1985. شهدت المعاناة بينما بقية البلاد إما هاجمت المحتضرين أو وقفت صامتة.
لم يتحسن الأمر، ليس بالنسبة لي أو لأشخاص مثلي. بعد الهجوم الإجرامي على مبنى التجارة العالمي، حبستُ نفسي في شقتي مرعوباً. لم يكن هناك مجال للفروق البسيطة والحجة أو الخلاف. كانت لغة بوش مألوفة لي ولأي شخص سبق أن عاش في ظل نظام غير ديمقراطي. وفي لبنان، كان قادة الميليشيات المختلفون يلقون خطباً مشابهة كي يبدأوا الحرب الأهلية.
يحدث كثيراً أن يقول لي مغفل: “عدْ إلى بلادك”، أو أن يقول شخص يدعي الظرافة:"لست مصاباً برهاب الإسلام، لكن"، أو "بعض أفضل أصدقائي مسلمون"، أو ...، لا تهتموا. منذ سنوات، توقفت عن محاولة شرح أنه رغم أنني أمتلك اسماً مضحكاً إلا أنني لست مسلماً. لا يهم.
لكن بالرغم من حقيقة أنني مررت في تجارب مشابهة من قبل، لم أتوقع أن يفوز ترامب. اعتقدت أن كلنتون ستفوز لأنني افترضت أننا لن ننتخب فاشياً جديداً، لكنني عرفت أننا يمكن أن ننتخبه في نقطة ما، بما أننا غازلنا بعضهم من قبل. لكنني لم أعتقد أننا سننتخب شخصاً لا يمتلك كفاءة ومعتوهاً.
من المشجع أن هناك الكثير من الاحتجاجات الآن، لقد أُهين كل من أعرفهم، ونحن نفعل شيئاً ما حيال هذا. نحن هذا أيضاً. ما يهمني هو الافتراض الذي سمعته من عدد من الأشخاص، فقد سألوا: هل سيسوء الأمر أكثر؟ نعم، نعم، سيسوء قليلاً.
عدّل ترامب مجلس الأمن القومي بحيث أن رئيس هيئة الأركان المشتركة ومدير الاستخبارات القومية يلعبان دورين محدودين، بينما يجلس مستشاره السياسي ستيف بانون الآن في لجنة المدراء. وفي ظل إدارتين سابقتين، إدارة بوش وأوباما، كان مجلس الأمن القومي منخرطاً في عمليات القتل التي تستهدف الأعداء المزعومين لحكومة الولايات المتحدة، وأيضاً المواطنين الأميركيين، دون محاكمة أو إجراءات قانونية، ودون سجل عام للقرار أو للاغتيال نفسه. هل نستطيع تخيل ما الذي يمكن أن يفعله ستيف بانون الذي يدير موقعاً إلكترونياً لتدعيم القومية البيضاء بتلك السلطة؟
لدينا قوانين لمنع الانتخاب التي تظهر في كل أنحاء البلاد. هل نستطيع تخيل ما الذي يمكن أن يفعله المرشح لمنصب النائب العام جيف سيشنز، الرجل الذي دعا قانون حق الانتخاب "دخيلاً"، والذي، كما كتب كوريتا سكوت كينغ، "استخدم سلطة مكتبه كنائب عام للولايات المتحدة كي يقوض ويجمد الممارسة الحرة للاقتراع من قبل المواطنين،"ما الذي سيفعله؟ ماذا عن قوانين حقوق مدنية أخرى؟
إن سيشنز سيكون كارثة كنائب عام، لكن قوانين منع الانتخابات ليست جديدة. إن بانون كارثة، لكن التفويض لاستخدام القوة العسكرية ضد الإرهابيين هو في السجلات من قبل. يمكن أن يكون ترامب وبانون وسيشنز متطرفين، لكنهم لا يشكلون انحرافاً.
يجب أن نخلص أنفسنا من الأساطير المريحة. سيسوء الأمر.
كنت في جزيرة لسبوس منذ عام أساعد اللاجئين السوريين. في موريا، أكبر مخيم في الجزيرة، كان يتم التدقيق في آلاف اللاجئين كل يوم. ذلك أن الأزمة متواصلة منذ أكثر من ست سنوات. سمعت أن جميع المنظمات غير الحكومية لعبت دوراً في قيادة المخيم، لكنها فشلت بسبب سوء الإدارة والطعن في الظهر والتداخل بين الوكالات والمشاحنات والتدخل الحكومي، وإلى ما هنالك. لكن في ضوء الوضع المرعب في المخيم اعتقدت أنه أُدير جيداً قدر الإمكان نظراً للعدد الكبير من الأشخاص الداخلين والخارجين. في تلك الأثناء التقيت بشخص متواضع، وهو مورموني متقاعد من يوتاه تطوع في المخيم منذ وصول الزوارق الأولى. لم يكن يتحدث العربية أو الفارسية، ولم يمتلك تدريباً طبياً من أي نوع، ولا أية مهارات قابلة للتحديد لكن كلاً من المتطوعين واللاجئين كانوا يأتون إليه بجميع أنواع الأسئلة القابل للإدراك عن ماذا يجب أن يفعلوا. يبدو أنه جاء كي يقدم أية مساعدة ممكنة. وحين بدأت المنظمات غير الحكومية تغسل أيديها من المخيم، تزايدت الحاجة إليه. حين كنت هناك، كان يدير المكان الملعون.
نحن هذا. يمكن أن نكون أفضل.
[المصدر: ذ نيويوركر]
* روائي أميركي من أصل لبناني